modyayad بدأت أعمل قلق أهوه
عدد الرسائل : 35 تاريخ التسجيل : 27/09/2007
| موضوع: الاختيار::::قصة قصيرة:::: الجمعة سبتمبر 28, 2007 2:54 pm | |
| ::الإختيار::
تشعّب الضيق بداخلي واستكانت فروعه،فقررت قهره على الفور خوفاً من أن يقهرني هو...ورغبتي الشديدة في تغيير مسار حياتي الذي كللته دفعني على قضاء يوم عطلتي ذاك الأسبوع،وحدي كما يحلو لي،،،،،، ورغم احتياجي الشديد لمن أتحدث إليه_ إذ ذاك_..إلا أنني اعتذرتُ عن دعوة "غسّان"_صديقي المقرّب_ على الغداء اليوم ،ولا أعلم لمَ!!،ربما رغبة في التغيير أيضاً،وربما لأن الأنفاس لا تقوى_وقتئذ بالذات_على حمل ساعات بصحبته،،حتى هو...أصبحت مشكلاته الغريبة الأطوار تحاصره من جميع الاتجاهات ،وقد أوشكتُ أشعر أنها قاربت تحاصرني أنا الآخر،فمتى ألقت بي الأيام بين أحضانه_لا حديث له سوى"الإسطبل" و "الخيل" ومشكلاتها التي لا شاغل له إلا هي..حتى أنني_ ولا أبالغ إن قلت_أنه قد لا يتذكر أسماء أطفاله بالتحديد من زوجاته الثلاث،،فهو لا يعير لهم ولا لهنّ اهتماماً قدرَ ما يمنح لخيله العربية الأصيلة. تناسيتُ أمره تماما..فعندما أتمعن في حياته وتصرفاته أكاد أفقد بصيصَ عقلٍِ لازلتُ أمتلكه. قادتني سيارتي _يومها_حيث لا أعلم،وتركتها تعدو حيث تريد،وراحت عجلاتها تطوي شوارع القاهرة في ذاك النهار الخاوي من النور والدفء وكأنها قطعة صغيرة. وما أن بلغتْ مبلغها حتى سمعتُ أنفاسي مضطربة مبهورة،لم أكن أتخيل أن يسوقني الحنين إلى هنا_تلك الساعة_والتي قد بلغتُ فيها الذروة_ذروة الأسى_،إنه "الحي" الصغير الذي نشأتُ فيه وقضيت بين جدرانه أجمل أيام حياتي،موطن الدفء والذكريات،والذي لم تطأه قدميّ مذ رحيل أبوَي عنه منذ سنوات طويلة. وراحت خطواتي تعبث بجنبات الحي الذي تغير كثيراً،فشعرت وكأن أزقته قد ضاقت على منازله البالية،ولمحتُ أسئلة عدة تخرج من بين ثناياه لتصرخ_ثم تتعثر لتنكفئ على وجهها فتصمت،ووجدت نفسي أقف أمامه_منزلنا الصغير_ورأيت أمي بشرفته تناديني،كفاك لهوا يا "سعيد" واصعد كي تستذكر،ورأيتني أروّض الكرة كالمحترفين وأمررها ل "شوقي" وأعود لألتقطها منه من جديد ولا أستجيب لنداء أمي_وها هو أبي يعود من عمله،تبتسم ملامحه كعادته_ويصطحبني معه للأعلى،وأترك الكرة على مضض. أفقتُ بعد برهات قليلة،تبللني الدموع،فكم اشتقت إليهم جميعا _وعلى الفور...أخذتني خطواتي نحو منزله_"شوقي"، صديق الطفولة والصبا_والذي لم ألمح له شبحا منذ تركتُ "الحي". دققتُ الباب وقد انتابتني خفقة صغيرة تسألني_وهل ستجده هنا بعد كل تلك السنوات_وخفقة أخرى تتبعها تتلهف لرؤيته. وما أن انفتح الباب حتى تدفق فيضان الحنين واللهفة ليغمرنا بحرارة هي أحّر من لهيب الدنيا الذي لا يَملُّ ولا يبرد،وتحركت الحياة بداخلي مرة أخرى وكأنني أولد من جديد، لم يتغير كثيراً_هو كما تركته منذ زمن_وما أن مرت هنيهات قليلة حتى ركد كل شيء بالدواخل وسكن تيار المشاعر لتهبّ ريح الصمت فتحاصر المكان من حولنا. هاجمها بصعوبة،، قائلاً في فتور مفاجئ: تفضل يا صديقي،البيت بيتك كيف أنت يا رجل،وأين كنت طوال تلك الفترة،وكيف لم تتذكر ديارنا سوى اللحظة! فقلت كلمات هي عليّ ثقيلة...ولم أدرِ ماذا أصابني! العتاب حق الأحبة،ولكنها دوامة الحياة الطاحنة،قد تأخذ كل شيء في عجلة دورانها،ولكنها أبداً لا تقوى على سلب ذكريات جميلة بداخلي لكم،فلَكَم اشتقت" لِحيّنا" ولك يا صديقي... فمنذ أن غادرت_هنا_بعد تخرجي ووفاة والدّيّ وسافرت للعمل بالخارج،عدتُ بعد سنوات ليست بالقليلة بزوجة وطفل صغير، ثم كوّنت شركة صغيرة حتى أنعم الله عليّ وأصبحت تلك الشركة مجموعة شركات كبيرة تحمل اسمي،ورغم أنني حققت أغلب ما تمنيت،إلا أن عجلة تطلعاتي المسرعة لازالت تأخذني/ولازلت أوافقها. وكيف حالك أنت؟ لم يُجب_وكأنه أجاب_قائلاً:كما ترى أيها الفَطِن ثم سألني بغتة_وكان يقرأني دون عناء: ما خطبك!!أراك مهموم الخاطر!! تنهّدتُ دون ارتياح ثم قلت: هي متطلبات الحياة النفسية يا صديقي والتي أنهكت أجزائي_ جزءا جزءاَ_ وما عادت تتحمل المزيد. أردف في دعابة_ضاحكاً: أوَ تؤرقك هكذا؟!!! لو أن لي نصف ما تمتلك من مال، لا بل نصف ما تمتلك من طموح وعلو همة وتطلّع...ما تسلل إلى نفسي ضيق ولاهم آثرتُ الصمت عن الرد والإجابة،ولم أفضّل خوض معركة_أعلم أنها خاسرة_إن حاولتُ إقناعه أن المال ليس سبيلاً للسعادة،ولن ترطّب كلماتي جوفه الجاف،فالمرء حين يفتقد الهفوة لا يرى السعادة إلا فيها،و يظل يسعى في البحث عنها_إن استطاع السعي!! مرت فترة صمت قصيرة_ قصيرة جدا_قررتُ بعدها أن ألجّم صمتي بخيوط حديث من نوع آخر: قد يهبك الله المال الوفير،ثم يرزقك بزوجة لا تقهم الكثير عن الكثير،والأعظم....أنها قد لا تفهم من أنت!1 وكيف أنت!! وبينما أنا متعجب من نظراته لي،وتلك الصورة المبهمة التي رُسمت على ملامحه...قاطعني قائلاً: ألا يدفعك هذا البرد الشديد لطلب كوب من الشاي_من الزمن القديم؟ أجابته ابتسامة خافتة: وقت كان للحياة نكهة_ألذ وأطيب تركني والحيرة في غرفة مكتبه الصغيرة البالية....ومضى أشعر وكأنه يُسرّ الكثير في حقيبة مغلقة،يأبى أن يفتحها أمام عيني،،فما كان أبداً من دأبه_الغموض وقلة الحديث. لم أشعر بالراحة كما خُيّل لي ..عندما خرجت لقضاء يوم عطلتي بمفردي، ولم أختلس من الزمن لحظة رضا كما تهيأ لي على أبواب "حيّنا" الصامت منذ قليل. وبعد انقضاء لحظات قصيرة من الحيرة،،هممتُ لأطالع تلك الشرفة السفلية القريبة من الأرض_وأنا أنتظر بشرفة مكتبه_وطالعت بقربها "ليلى"،،ورأيتني أداعب ضفائرها السمراء المتدلية على كتفيها وهي تغدق عليّ بابتسامة رقيقة،ولامست في نفس اللحظة دمعاتها الصارخة تنهال على خديها يوم أخبرتها بقرار سفري للخارج سعياً خلف طموح يدفعني رغما عني،ووجدتني أتركها تنتظر الغيب بمفردها/وما كان يشغلني ذلك كثيراً،،،ولكن،،ترى أين هي الآن؟!! قاطعني بكوب الشاي الساخن قائلاً: وهل يحق لك أن تسأل هذا السؤال بعد كل تلك السنوات؟!!!!! فقلت مسرعا دون أن ألتفت إليه،، شيء يؤرقني لا أعرف كنهه ،،هل تخبئ عني أمراً!! وما الذي يحملك على العيش هنا حتى الآن!!...أتعيش وحدك!!! فأجاب متثاقلا،ً ولم أعهده هكذا: عملت محاسبا بأحد الشركات القريبة من القرية،ويرجع الفضل لصديق أبي رحمه الله،وتزوجت في هذه الشقة قبل وفاة والدي بعام،فلم يكن بوسعي أن أتركه وحده في هذه السن المتأخرة ..وخاصة بعدما تزوجت أختي وسافرت مع زوجها_ و الأحرى _لم يكن لديّ مأوى آخر سوى هذه الجدران البالية. عاد الصمت من جديد وكأنه لا مقر له ولا ملاذ إلا _هنا_ ولكنه لم يمنعني من الحديث،فقلت ُمسرّاً من بين نظرات مشفقة: كم أشفق عليك يا صديقي من العيش هنا_بين جدران قد تشققت وتشققت معها كل الأحلام والرغبات. ثم انفرجت عقدة الصمت على لسانه_وقال وكأنه ما أراد أن يقول: ليلى........ نظرتُ على شرفتها السفلية البائسة كشرفته.. ثم أعدت النظر إليه قائلاً: زوجتك!!!!!! فأتبع متفاخراً:::: وأغلى ما أمتلك ما رجفت الأرض لخبرهِ وما تقعقعت له السماء،ولا أعلم لم!!!! وكأن كل تلك الذكريات الجميلة كانت وهماً لا وجود له من الأساس،، ويعود الصمد ليلف الألسنة ويمنعني من التفوه مانع الكبرياء،ومانع الخوف من تجديد مافات،،وكانت لحظات السكون المتكررة تلك_لا تدفع إلى خاطري إلا كل حيرة وعجب وبعض ضيق. نظرت في عينيه اللامعتين لأسمع نبرات نظراته تتحدث معلنة: لكم أشفق عليك يا صديقي من حياة تفتقر إلى الحب والدفء أتبعت جاداً في حديثي ونبراتي تعلن عن حيرة واستقرار يمتزجان بقلب واحد: يسعدني أن تقبل العمل بأحد شركاتي و ......... قال مبتسماً دون أن يترك لي مساحة للحديث: لازال_الخوف من التغيير_سمة من سماتي ،،وإن كان التغيير للأفضل،وهذا ما يجعلني أنزعج مني أحيانا كثيرة ناجيت ذاتي حينها قائلاً: يتغير كل شيء ولا تتغير مطارح العروق ومصبّها _ستظل يا صديقي حيث أنت!!! ثم أردفت معلناً: إذن...هل تحتاج لأي شيء؟،،عليّ الذهاب فقال بإصرار وشدة: قبل أن نتناول سويا طعام الغداء_لن يحدث_ فأردفت مُجدّا ...وقد كنتُ حينها: بل سنتناول سويا "طبق المعكرونة الشهية"كما كانت تحلو لنا سابقاً_ولتسمح لي _ليس اليوم_فقد دعاني صديق لي على الغداء وما اعتدت أن أخلف موعدي. انقضت الساعات حافلة بالسراء والضراء،ومضيت نحو سيارتي مسرعاً تسبقني إليها دقات قلبي_وكل منّا يعد الآخر بلقاء قريب.. وما كان الوداع بحرارة اللقاء مطلقاً. انطلقت بسيارتي _تجد الراحة بين أنفاسي مكانا لها_ثم رحت أجزم أنه_لو أتيح لكل فرد منا اختيار مقعده كيف شاء،،ما اختار سوى مقعده الذي يسكن،،وما اخترت أنا سوى مقعدي هذا،،وهو الأنسب على الإطلاق ثم داعبت نفسي ضاحكاً::: ولو جاء "غسان" ليعيش" بحيّنا" يوما واحدا ً ....لوافته المنيّة ثم أسرعت بطلب "غسان" على الهاتف:::: أنا في طريقي إليك....فلا تتناول الغداء وحدك ،،أنت وخيلك.
__________________
| |
|
النجم بودى >>المشرف العام علي شؤون المملكة<<
عدد الرسائل : 165 تاريخ التسجيل : 24/09/2007
| موضوع: رد: الاختيار::::قصة قصيرة:::: الخميس أكتوبر 18, 2007 9:54 pm | |
| | |
|