مملكة الحب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مملكة الحب

أحلي عالم في أحلي منتدي ... منتدي مملكة الحب
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 بائع المسك .. وبائع الخمر

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
modyayad
بدأت أعمل قلق أهوه



ذكر
عدد الرسائل : 35
تاريخ التسجيل : 27/09/2007

بائع المسك .. وبائع الخمر Empty
مُساهمةموضوع: بائع المسك .. وبائع الخمر   بائع المسك .. وبائع الخمر Icon_minitime1الجمعة سبتمبر 28, 2007 2:34 pm

بائع المسكـ .. وبائع الخمر


..............

بائع المسك .. وبائع الخمر Htkb

كعادتى دوماً – مساء كل خميس – أصطحب أوراقى وأقلامى قاصداً تلك المقهى العتيقة فى ميدان الفلكى ، وعلى تلك الطاولة القريبة من باب المقهى أجلس وأضع أوراقى وأقلامى .. ويأتى عم حسين القهوجى مهللا بكلمات الترحيب ، فأبادره بالسؤال عن أحواله وعن أحوال أولاده .. فيرد شاكراً وحامداً لنعمة الله عليه وعليهم .. ويغيب عن عينى دقيقة يأتينى بعدها بفنجان القهوة المضبوط الذى اعتدت دائما أن أتناوله بمجرد وصولى إلى المقهى.

أحتسى قهوتى فى هدوء ، وعينى تتجول فى المكان تتفحص الجالسين ، فألقى التحية على من أعرفه منهم ، وعلى الرغم من كون معرفتى برواد المكان لا تتعدى تلك التحية وبعض المناقشات السريعة ، إلا أننى أشعر بسعادة غامرة حال تواجدى إياهم ، ورغم أن هويتى الحقيقية ككاتب معروف وصحفى ذائع الصيت قد تكون خافية على الكثيرين منهم ، إلا أننى ألمح دوما نظرات التقدير والود فى أعينهم حينما تتلقى العيون صدفة.

إن تلك المقهى على الرغم من صغرها ، إلا أن روادها كثيرون ، وهم باختلاف أعمارهم وثقافاتهم وانتماءاتهم يمثلون مجمتعاً صغيراً ، أو بمعنى أدق نموذج صغير من مجمتعنا الكبير بأفكاره وضجيجه وتناقضاته وسلبياته وطموحاته وأحلامه ، وما كان حضورى هنا يوماً إلا بهدف رصد كل ما يدور حولى فأدون ملاحظاتى عليه فى كراستى ، وأعود بعدها إلى مكتبى ، فأفرزه وأستخرج منه الأفكار التى أنسج منها رواياتى ، التى كانت سبباً رئيسيا فى وصولى لذلك الوضع الاجتماعى الذى كنت أتمناه دوماً ، وهؤلاء الجالسون هنا وهناك لا يعلمون أنهم أبطال قصصى ومنبع أفكارى وسر نجاحى.

انتهيت من احتساء القهوة ، وبدأت فى مطالعة أوراقى وترتيبها ، وإذا بعم محمد يدخل إلى المقهى صائحا كعادته :
"صلى على المصطفى ، يا سادة يا كرام ، معايا العطر العربى الأصيل ، معايا المسك والعنبر ، معايا البخور الهندى ..........."
فتلتف الأنظار حوله ، وتتوقف الأحاديث والمناقشات ، ويتوقف اللاعبون عن لعب الطاولة والشطرنج ، ويتابعون عم محمد ، والحقيقة أن ذلك الضجيج الذى كان يحدثه عم محمد فور وصوله كان محبباً لنفسى ولكل رواد المقهى ، ولم يكن اهتمام الجالسين بعم محمد نابعاً من اهتمامهم بماهية البضاعة التى يحملها ، وإنما هى كاريزما الرجل التى تجعلك تتابعه رغم أنفك ، فهو خفيف الظل ، سريع البديهة تلمح فى وجهه كل آيات الطيبة والمعدن المصرى الأصيل ، تنظر إلى وجهه الذى نالت منه تجاعيد الشيخوخة مبلغها وترك الزمن فيه أدله وجوده فتشعر وكأنك أمام لوحة معبرة ، وإنى لأراهن أن المثالين لو تسنت لهم رؤية هذا الوجه الأسمر لاتخذوه دوماً نموذجاً لتماثيلهم عن الإنسان المصرى البسيط.
- ازيك يا أستاذنا ..
- الحمد لله .. أخبارك إيه يا عم محمد ؟
- نحمد الله ونشكر فضله.
- وأخبار الأولاد إيه ؟
- كلهم بخير يا سعادة البيه ، محمود دخل الجيش ، وطبعا ساب شغله ، وحِمل إخواته الأربعة بقى تقيل علىّ لوحدى يا بيه.
- ربنا يعينك عليهم يا عم محمد.
- والبنوته دى تبقى بنتك ؟
- دى آخر العنقود يا سعادة البيه.
- اسمك إيه يا حلوة؟
- هدى
أمد يدى إلى الصغيرة ، فتختبئ خلف أبيها خجلاً ، وعم محمد يصيح فيها:
- سلمى يا هدى على سعادة البيه.
- ربنا يبارك لك فيها يا عم محمد.
- الله يبارك فيك يا سعادة البيه.
- وأخبار الدنيا معاك إيه يا راجل يا طيب؟
- ما انت سيد العارفين يا سعادة البيه ، المصاريف بقت كتيرة ، والأسعار غالية نار ، ده غير الدوا بتاع أم محمود ، ومصاريف المدارس ، وأنا كمان صحتى مش زى الأول ، من ساعة ما عملت العملية اللى كانت فى رجلى وأنا مبقتش بأقدر أمشى عليها زى زمان ، السن بقى ليه حكمه ، لكن هنقول إيه .. الحمد لله .. إحنا أحسن من غيرنا كتير.
-أيوه الحمد لله .. رغم كل اللى البلد فيه .. بس إحنا أحسن من غيرنا.
-الواحد يا بيه لما بيتفرج على نشرة الأخبار ، بتهون عليه مشاكله ، لما بيشوف اللى بيحصل فى العراق ولا فى فلسطين ولا فى لبنان ، كله بيضرب فى كله ، وكله بيدبح فى كله.

- عندك حق يا عم محمد.
- الحمد لله على كل شئ ، وربنا يحسن ختامنا.
- المهم الرضا دايما يا عم محمد.
- الحمد لله راضيين وشاكرين لنعمة ربنا.
- معاك إيه بقى ياعم محمد ، فيه واحد صاحبى عزيز علىّ عايز أشترى له هدية منك.
- تحت أمرك يا سعادة البيه .. دى بقى مسك أصيل ، جاى من بلاد الحجاز ، إنما صنف ممتاز ، شوفه بنفسك.
- تمام يا عم محمد ، فعلا أصيل زيك كده بالضبط.
- ربنا يكرمك يا بيه.
وأخرجت حافظة نقودى وناولته حساب زجاجة المسك وما يزيد ، وتركنى داعياً لى بالخير والبركة.

عدت إلى أوراقى ولكن عينى ظلت تتابع عم محمد فى تحركاته بين رواد المقهى ، وبعد فترة افترش الرصيف المقابل للمقهى أمام حانوت لبيع الخمور يعرض بضاعته على المارة فى الشارع ، وأنا بين الآونة والأخرى أنظر إليه فأطمأن لوجوده ، وأسعد حينما أجد الزبائن تلتف حوله ، وأخذ خيالى يدور ، والأسئلة تتبادر إلى ذهنى ، كم هى ثرية تلك الشخصية ، وكم هى صالحة أن تكون مادة رائعة لرواية جديدة ، من المؤكد أن شخص مثل عم محمد لديه من التجربة والمواقف والخبرة الحياتية الكثير والكثير ، من المؤكد أننى سأستخدم ملامح تلك الشخصية الطيبة فى رواية من رواياتى يوماً ما.

أنظر حولى فأجد المقهى وقد امتلئ عن آخره ، والشارع يضج بالزحام ، أناس ذاهبون وأناس عائدون ، كل إلى هدفه ، والشباب من حولى يتحدثون عن آمالهم وطموحاتهم ، والشيوخ يتحدثون فى شئون السياسة ، وكل منهم يطلق رأيه ويدافع عنه ، وقلمى يرصد ويتابع فى هدوء.

فجأة تحدث حالة من الفوضى فى الشارع ، البائعون يحملون بضاعتهم ويجرون فى أى إتجاه وكل اتجاه ، ويبدو للعارف أن البلدية قد أتت فى زيارة غير سارة للبائعين ، وكل بائع يفر بما استطاع أن يحمله من بضاعته التى – على رغم من قلة قيمتها – هى كل رأس ماله وكل ما يملك فى دنياه.

وتبدأ المعركة حينما تستطيع الشرطة أن تمسك بعض من هؤلاء الباعة ، فتقوم بأخذ بضاعتهم ولا مانع أبداً من الإهانة سواء كانت تلك الإهانة باللسان أو بالأيادى والأرجل أو كلها معاً ، وعلى الرغم من كون المنظر معتاداً ، إلا أننى شعرت بقلق بالغ على عم محمد ، فأنا أعرف أنه لن يستطيع الجرى من آثر تلك العملية ، كما شعرت بالقلق على تلك الصغيرة التى كان يمسكها فى يده ، وعلى الرغم من أننى لم أكن أدرى تصرفاً واضحاً يمكننى أن أنقذ به عم محمد ، إلا أننى قررت أن أقوم إليه لأراه ، خاصة بعدما حجب الزحام الشديد رؤيته عنى.

توجهت فوراً إلى الرصيف لأرى عم محمد وأحاول إنقاذه من ذلك الموقف الصعب ، إلا أننى لم أجده فى مكانه ، تلفت حولى ، فوقعت عينى عليه ، ورأيت ذلك الشاب الصغير الذى يرتدى زياً من المفترض أنه زى الشرطة حامية الشعب وخادمة الوطن ، يمسك بعم محمد وهو يسبه بأقذع السباب ، ويضربه بعنف ، والرجل يرجوه أن يرحمه ويعفو عنه ، والصغيرة تبكى وتصرخ ، جريت نحو الضابط ، وتدخلت طالباً منه أن يترك الرجل ، ونجحت محاولتى فى إنقاذ عم محمد أو ما تبقى منه.

أخذت الرجل وأدخلته إلى المقهى وأجلسته على طاولتى ، وأخذت الصغيرة إلى جوارى ، وأخذ كل من فى المقهى يواسونه ، لكن دموع الرجل لم تتوقف.
-هما ليه بيعملوا فينا كده يا بيه ، هو إحنا مش بنى آدمين ولا إيه.
-إزاى يا عم محمد ، بنى آدم وراجل محترم كمان.
-محترم إيه بقى يا بيه .. انت بتستهزئ بيا.
-لأ يا عم محمد .. انت راجل محترم ، بتشتغل وتكسب بالحلال.
-أنا صحيح مش متعلم ، لكن أعرف إن الشرطة والبوليس للحرامية ، للناس اللى بتسرق وتنهب ، مش للناس اللى بتاكل بالحلال ، أعمل إيه يعنى يا بيه ، أسرق وأنهب عشان أعيش.
ظل الحوار دائراً واشترك فيه كل رواد المقهى تقريباً ، وكل منهم يساهم بما تجود به نفسه كإعانة لعم محمد الذى فقد رأس ماله ، وظللت أفكر فيما حدث ، وكلما أنظر إلى عم محمد "بائع المسك" أجد عينى تذهب سريعا إلى ذلك الحانوت المقابل للمقهى ، فأرى زجاجات الخمر واقفة شامخة مرصوصة على الأرفف فى انتظار من يحملها وأرى ملامح الأبهة والعز والسرور على وجه بائعها بعد إن تم إخلاء الرصيف من الباعة الجائلين ، وأرى ما تبقى من زجاجات المسك مبعثر على الرصيف ، تتقاذفه أقدام المارة ، وعم محمد يداوى جراحه.

وبينما أنا مستغرق فى تفكيرى ، أجد عم محمد يصيح بى ..

- اكتب يا سعادة البيه .. اكتب اللى شوفته .. واكتب اللى بنعيشه .. اكتب .. يمكن بكره الناس تقرا وتعرف .. يمكن حالنا يتصلح .. اكتب يمكن ولادى يعيشوا بكره من غير خوف ومن غير إهانة.
عدت إلى منزلى فدخلت إلى مكتبى ، والحزن والمرارة يتملكان منى ، وأزحت روايتى التى كنت أكتبها جانباً ، وبدأت فى تنفيذ وصية عم محمد ، فأمسكت ورقة وكتبت عليها بخط عريض :
" بائع المسك .. وبائع الخمر"
آه من بلد ترفع بائعى الخمور عالياً .. وتدوس بائعى المسك بالأقدام

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
بائع المسك .. وبائع الخمر
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
مملكة الحب :: اااه يا قلبي :: قصص وحكايات-
انتقل الى: